قصيدان من ديوان (خلوتي) محمد الشحات
بِدَايَةُ الخُلوَةِ
رَتَقَ المُتبقِي مِنَ الثَّوْبِ
ليَرْحَلَ
لمْ يَتبَعْهُ حتَّىَ جَروٌ عَطَفَ عليْهِ
وَأسْكَنَهُ في طيَّاتِ مَلابِسِهِ
مَا إِنْ شَعَرَ بِضِيقِ الوَقتِ
وسُرعةِ جَرَيَانِهِ
حتَّىَ بَادَرَ
حَمَلَ قَليِلاً مِنْ حَاجَتِهِ
ولمْ يُمْكِنْهُ أنْ يَصْحَبَ رُقْعَةَ أرْضٍ
أسْكَنَهَا دِفْئاً طِيِلَةَ جِلسَتِهِ
حينَ انْتَبَه الجَرْوُ لرَجْفتِهِ
خَافَ بِأنْ تَنْتَقِلَ إليْهِ
فَوَقَفَ يُرَاقِبُهُ
حتَّىَ غَابَ عنِ العَيْنِ
ولمْ يتبعْهُ
لمْ يَنْتَبِهِ النَّاسِكُ
حِينَ اسْتَنَدَ عَلىَ مِنْسَأتِهِ
أنّ فَوَاصِلَهَا قَدْ لانَتْ
كَادَتْ تُسْقطُهُ
فتَمَاسَكَ، واعْتَدَلَ
اسْتَعْذَبَ رُكناً
تُغْرِقُهُ ظِلالُ الأَبنِيَةِ
وجَلَسَ
ودُونَ عَنَاءٍ
اسْتَنْشَقَ بَعْضَ هَوَاءٍ
كانَ يُخَبِّئُهُ فِي رِئَتَيْهِ
فَفَتَحَ اللهُ عليْهِ بِهُدْأةِ نَفْسٍ
لاَ تَأتِيِهِ إلاَّ
فِي لَحَظَاتِ مُدَاوَمَةِ الذِّكْرِ
فَأَوْصَدَ عَيْنَيْهِ لِيَعْبُرَ مَا ضَاقَ بِهِ
واسْتَوْثَقَ مِنْ قُدرَتِهِ
حِيِنَ أَحَسَّ بِشَىءٍ يَفرُكُ سَاقَيْهِ
وبِدِفءٍ يَخْرُجُ مِنْهُ، ويَعُودُ إليْهِ
كانَ الجَرْوُ قَدِ اسْتَغْرَبَ وُحْدَتَهُ
فَأتَاهُ
احْتَالَ عَليْهِ
كَي يُدْخِلَهُ فِي طَيَّاتِ مَلاَبِسِهِ
أدْرَكَ أنَّ الوُحْدَةَ
تَقْتِلُ مَنْ يَصْحَبُهَا
فَاسْتَأنَسَ دُوُنَ عَنَاءٍ
بِالأصْوَاتِ المَارَّةِ
وضَجِيجِ البَاعَةِ
ومُشَاغَبَةِ النُّسْوَةِ
فِي لحَظَاتِ مُسَاوَمَةٍ
يَنْهَزِمُ البَائِعُ فِيْ مُجْمَلِهَا
ظَلَّ النَّاسِكُ يَمْلأُ عَيْنَيْهِ
وَأذُنَيْهِ ورِئَتَيْهِ
ويُحَرِّكُ كفَّيْهِ
مَخَافَةَ أنْ تَغْفُوَ عَيْنَاه
حَتَّىَ إذَا مَا شَعَرَ
بِأنَّ الوَقْتَ قَدِ اقْتَرَبَ
انْطَلَقَ إلَىَ خُلوَتِهِ
مَرَّ عَليْهِ الوَقْتُ بَطِيِئاً
كَانَتْ كُلُّ مَشَاهِدِهِ
تَدْفَعُهُ لِكَىْ يَنْجَذِبَ إلىَ عَالَمِهِ
كيْ يَتَخَلَّصَ مِمَّا زَاحَمَهُ
فتَوَضَّأَ بالآَيَاتْ
اسْتَأنَسَ بِالأَنْفَاسِ البَاقِيَةِ
وَغَاصَ بِبُلُّوُرَاتٍ مِنْ نُوُرٍ
مَا إِنْ فَرَغَ
وأَحَسَّ بِأنَّ مَدَاخِلَهُ قَدْ هَدَأتْ
حتَّىَ عَادَ إِلَىَ ذَاتِ سَكِينَتِهِ
واسْتَوْثَقَ مِنْ قُدْرَتِهِ
فِيْ أنْ يَرْجِعَ
حِيِنَ أَحَسَّ بِأصْوَاتِ ضَجِيجٍ
وبِجَروٍ يَتَحَسّسُهُ
أيْقَنَ مِنْ عَوْدَتِهِ
فَفَتحَ دَوَاخِلَهُ
كىْ يَمْتَلِيءَ بِنَبْضِ حَيَاةٍ
تسْعِفُهُ حِينَ يُعَاوِدُ رِحْلتَهُ
كَيْ يَدْخُلَ خُلوَتَهُ
2-الخُروجُ منْ أجْرَامِ الجَسَدِ
كنتُ أدورُ بحلقاتِ الذكرِ
وأرقبُ مَا تُحدثُهُ الأجسَادُ
إذَا مَا ارتَطمَتْ بفراغٍ ،
لمْ ألمَسْهُ
إلاَّ لحظةَ أنْ زادَت فِي ميلتِهَا
فشعرتُ بأنَّ الأرضَ تميدُ بنَا
وأكادُ أحسُّ
بأنَّ الأجسادَ النائمةَ ببَاطِنِها ،
تُشَاركنَا الذكرَ
فيرتجفُ القلبُ
مخافةَ ألا أصفُوَ
فيُحركنِي مَا يُربكنِي
حتَّي خلتُ بأنِّي
أسمُو بسماءٍ صافيةٍ
لا يقربُها إلاَّ
مَنْ جاءَ بقلبٍ مُغتسِلٍ
منْ كلِّ شرورِ الأرضْ
. . . .
وجلستُ علىَ مقرُبةٍ من شيخٍ
كان يرتّلُ
فإذا ما انتبهَ لدمعٍ ،
يتقاطرَ من عينيَّ
ارتسمَتْ بملامِحِهِ
مَا أمسَكنِي
حتَّي كِدتُ أعَانقُ أحرفَهُ
فأكاد أذوبُ بدفءِ الكلماتِ
وأشعرُ أنِّي
قد غادرتُ بصحبتِهِ ،
جِلسَتنا ، وانطلقَ بنَا
أمسكَ بقليلٍ
من أحرفِ كلماتٍ فرَّتْ
حَاولتُ بأن أُنطقَها القولَ
نهايةَ رحلتِنَا
: لا تغلق عينَكَ خوفاً ،
مِن أن تسقطَ ،
واعلمْ أنَّكَ في حضرةِ خالقِنا ،
حاولْ أنْ تتعلمَ ،
أمسكْ ما علقَ بعينيكَ ،
وغادرْ شهوتَكَ ،
فما إن تبدأ حضرَتُنا ،
حتَّي تبدأَ رحلتُكَ ؛فخفتُ
وأمْسَكنِي خوفِي
حتَّي كِدتُ بأنْ أختَنِقَ
ومَا إن ألقَاهُ بعيداً
وهو يردّدُ
لا خوفَ بحضرَتِنَا
إلاَّ مِنْ خَالِقِنَا
بدأتُ أحُسُّ بنورٍ يدخُلنِي
ودوائرَ
تُشعرنِي أنَّ الأجسَادَ تطيرُ
ويخرجُ منهَا مَا عَلقَ بأبدانٍ
غرقَتْ فِي الشَّهواتْ
فيكاد القلبُ يطيرُ من الفرْحِ
وخلت بأنّي أخرجُ من عينيَّ
وأدخل في فيضٍ من نورٍ
والشيخ يزيدُ ويُكثرُ
حتىٰ ما إن بدأت رجفتُهُ
كدتُ بأن أنتفضَ وأرتعدَ
فأمسكني الشيخُ ونَاولنِي
جرعَةَ ماءٍ
فانتفضَ الجَسَدُ
وعدتُ إلىٰ جِلسَتِنَا
ولمْ يتركْنِي الشيخُ
مخافةَ ألا أقدرَ أنْ أنهضَ
وما إنْ بدأتْ رُوُحِي ترجعُ مِنْ رحلتِهَا
حتَّي قمتُ وعدتُ إلىَ بيتِي .
شاعر من مصر