الرئيسية / ملف خاص / ملف خاص بالمرحوم الشاعر محمد الشحات قصائده: وقفاتٌ علَى خشبةِ المسرحِ محمد الشحات

ملف خاص بالمرحوم الشاعر محمد الشحات قصائده: وقفاتٌ علَى خشبةِ المسرحِ محمد الشحات

وقفاتٌ علَى خشبةِ المسرحِ محمد الشحات

حينَ انطفأَ الضوءُ
وأظلمتِ الصَّالةُ
انتبهَ الجمعُ  لثلاثِ  دقاتٍ
بدأَ على إثْرِها العرضُ
مجموعةُ  شعراءٍ  منكسِرِينَ
غطَّى الحزنُ ملامحَهُم
قاموُا  بتكفينِ قصائِدِهم
وتهادوا على وقعِ طبولٍ تقرعُ
بدءوا بالإسراعِ
لكي يصلوا مقبرةَ الشعراءِ
ما انْتَبهَ إليهم أحدُ
غير حروفٍ كانتْ مرفُوعةً
فانكَسَرتْ
ومشاعِر جفَّتْ حتى سَقطَتْ
ودَّعَ كلُ مِنهُمْ  ما جادَ بهِ
منْ أشْعَارٍ  طيلةَ رحلتِهِ
ظلَّتْ تخرجُ من دفءِ مشاعِرهِمْ
ألقىَ كلُّ مِنهم
آخرَ نظراتِ وداعٍ
كان الراوي في مخبئِهِ
يستنفرُ كلَّ قُواهُ

ليقُصَّ حكايا الشعراءِ المنهزمينَ
بدأَ العرضُ الفعِلي
بشاعرٍ  جرَّر رجليْهِ
وحاولَ أنْ يخطوَ
ثم توقَّفَ في منتصفِ المسْرَحِ
وهوَ يحاوِلُ أنْ يستجمعَ بعضَ قواه
جذبَ إليهِ بصيصًا منْ أضواءَ

كانتْ تتبعُهُ بلا اسْتِحياءٍ
ثمَّ انطفأ الضوءُ
فقالَ الَّراوي :

هذا الشَّاعِرُقد أفنىَ كلَّ سنينِ  العمرِ

بعشقِ الوطنِ
فلم يتركْ بيتًا في مِعمارِ قصائِدِهِ
إلا وقدْ غطَّاهُ بهذَا العشقِ
كانَ ينامُ على عشقِ الوطنِ
ويهيم علىَ عشقِ الوطنِ
وحينَ احتاجَ  إلىَ وطنٍ
لم يجدِ الوطنَ
ووجد القهرَ يُحاصِرُهُ
شرَّدهُ
وظلَّ يُعاني الغُربةَ
لم يـهنأْ  طيلةَ رحلتِهِ
ويحسُّ بأنَّ له وطنًا
حينَ أحبَّ بلاداً

كان يرددُّ كلَّ صباحٍ:
” بلادي بلادي
لك حبي وفؤادي ”
أخذتُ حبًا مرويًا بجنونِ العشقِ وهجرتِه
قتلتْ فيهِ  فيضَ مشاعِرِهِ
لم تمنْحْهُ حتَّى بيتًا يُؤويه

كانتْ تفرحُ حينَ تراهُ طريدًا

نظرَ إلىَ الشمسِ فلمْ يشعرْ أنَّ له فيها حَقاً
كانتْ تمنحُ دفئًا مُنغمسًا بدماءِ طفولِتِه للغرباءِ
صارَ شريدًا
لم يشعرْ يومًا أنَّ له وطناً
إلا فوق خرائطِ حصصِ الجغرافيَا
وفي كتبِ التَّاريخِ
وفي أغنيةٍ تتبعُها أغنيةٌ
كانَ برغمِ مراراتٍ تسكنُه يُغنِّيهَا
وحينَ يحسُّ بضيقٍ يسكتُ
أوْ يصمتُ
ثمَّ يعودُ  لكي يسمعَها ويُرددُهَا
إلاَّ أنَّ مشاعرَه حينَ تجفُّ
يهبطُ وسْطَ مدينتِهِ
ليشمَّ هواءً مختلفًا

طفلٌ يستعطِفُ قلبَ أبيهِ
كي يمنحَه ثوبًا آخرَ
وفتاةٌ تمرحُ في أطوار أنوثتِهَا
وعجوزٌ مدَّت يدَهَا
فلم تجدِ الصدقاتِ
وشبابٌ ظنوا أن العالمَ مفتوحٌ
فابتهجوا ثم انكسروا
وفي مقهىَ  الصُفوةِ
جلسَ السَّاسَةُ
ورجالُ الرأي
شعراءُ الصفِّ الأوَّلِ والقصاصونَ
وصُنَّاعُ الأفلامِ الهابطةِ
كلُّ قضايا العالِم تُطرَحُ الإ قضايا الوطنِ
نبـَّهَـه النادلُ : “مَنْ لا يملكُ مالاً لا يجلسُ”
أوهمَه ..سيستمعُ وقوفًا
رفضَ النَّادِلُ
لا يمكنُكَ حتى أنْ تستمعَ
وعلا صوتٌ لم يعرفْهُ
“هذي مقهى الصُّفوةِ
وشعراءُ العامةِ ممنوعون”
فسارَ على غير هدي
فأحسَّ بشيءٍ يبهجُه
وروائحَ تنُعشُهُ
كانتْ تأتي منْ أسواقِ الأحياءِ الشعبيةِ
ظلَّ يُدققُ في  كلِّ ملامحهِم
شعرَ بأنَّ أبيات قصائدِهِ
عنْ وطنٍ  نامَ بداخلهِ
خرجتْ مِنْ مكمنِهَا
حيثُ رآهَا في رجلٍ حنَّ علىَ سيدةٍ
كي يدخلَهـَا إلي مَسْكِنَها
وبطفلٍ وضعَ الماءَ علىَ  الماءِ ليصنعَ نهرًا
وفتاةً حين رآهَا أبوهَا

تُزَيَّنُ ملبسَهَا لم ينهرْهَا
شعرَ بأنَّ قصائِدَه تتحرَّكُ في أرجاء الحارات
وحتي في أصواتِ الباعةِ
حينَ تموسِقُ كلَّ نداءاتِ السِّلعِ
فشعرَ بأنَّ بيوت قصائده
يسكن فيها البسطاء
فكاد يطير من الفرحِ

وجلس الجمهور بلا أي حراكٍ
وهو يتابعُ أسكتَهُ شاعرٌ
حاولَ أن يَخْطِفَ منهُ الأضواءَ
وصرخَ بدونِ استحياءٍ :
دعْنَا منْ عشقِ الأوطانِ

فإنْ كنتَ عرفتَ تضاريسَ النُّسْوَةِ
لعرفتَ بأنَّ فصولَ العامِ
تجيئُك في لمح البصرِ
فأجسَادُ النُّسوةِ مدنُ
منْ يعرفُ أنْ يدخلهَا أو يحكمَها
يشعرُ أنَّ العالمَ بينَ يديهِ
فالمرأةُ وطني
حينَ أزورُ معالمَهَا
أشعرُ أنِّي قدْ مُلِـّـكتُ  نواصي الكونِ
صرخَ الشَّاعِرُ:
المرأةُ جزءٌ منْ وطنٍ
المرأةُ كلُّ الوطنِ
الجمهورُ انقسمَ
صراعُ الشُّعراءِ احتَدَمَ
طلبَ الشاعرُ أن يخرجَ كلَّ قصائِدِهِ
منْ مدْفَنِهَا وأنْ يمنحَهَا للبسطاءِ
حينَ رأتْهُ اندفَعَتْ كي تحضِنَهُ
لمْ يتمالكْ إلا أنْ أطلقَهَا
تفاعلَ مما قامَ بهِ الجمهورُ
وجاءَ التصفيقُ يهزُّ الأرْجَاءَ
رأىَ كلَّ نساءِ العّالمِ
تسكنُ قلبَ قصائِدِهِ
فالوطنُ متاحٌ

كي يسكُنَهُ بعضُ البشرِ إلاَّ منْ يعشَقُه.

شاعر من مصر

عن madarate

شاهد أيضاً

ملف خاص بالمرحوم الشاعر محمد الشحات قصائده: قصيدان من ديوان (خلوتي) محمد الشحات

قصيدان من ديوان (خلوتي) محمد الشحات بِدَايَةُ الخُلوَةِ   رَتَقَ المُتبقِي مِنَ الثَّوْبِ ليَرْحَلَ لمْ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *