حوار مع المبدع التونسي عادل الجريدي حاوره الشاعر الحسن الگامَح
- كيف يرى المبدع عادل الجريدي الكتابة بصفة عامة ؟
الكتابة فعل مقاومة الموت على رأي الفيلسوف جيل دولوز، وهي التي فكت العزلة عن حركة الأزمنة وخلدت الإنسان بما هو تدوينة حيّة للأبد، كما إنها شهادة انتصار الإنسان على داء التلاشي والذوبان في اللاّذاكرة. الكتابة فضيحتنا الحقيقية، جرحنا الرقراق، نهر من الكلمات التي ترفض أن يحدّد مجراها وتسميّاتها القابلة للتكاثر. فالخطوط والنقاط والحروف جسر ممتد بين لحظة الكتابة و رحابة المطلق . بما يساعدنا على النفاذ إلى عمق الذات، والرجوع إليها لتطوير الفكرة عبر ذاكرة السؤال، لذلك لا يمكن للكتابة إلا أن تكون فعل تضامن تاريخي كما ذهب في ذلك رولان بارت .
- من أين استمدت تجربة الكتابة ؟
منذ الصغر كنت مهتما بكتابة يومياتي الحميمية في كنش صغير خاصة بعدما أحببت وأنا في الصف الابتدائي زميلتي في الدراسة بالشكل الذي كنت أكتب لها الرسائل والبطاقات البريدية تلك التي كانت تحمل صورة قلب وسهم وما شابهها بشكل شبه يومي، وفي مرحلة أخرى اهتم بي معلمي بعدما لامس فيّ ما يشبه الموهبة خاصة في تميزي في درس التعبير الكتابي وهكذا كبر معي هذا الابتلاء ولازمتني الكتابة إلى يومنا هذا.
- أي صنف من الكتابة تجد فيه ذاتك حين تكتب ؟ ولماذا ؟
واحدة هي لغة الوجع وان تغيرت أشكالها وتصنيفاتها و مسمياتها لأن جميعها وبكل بساطة تختزل كل الدلالات المشفرة التي تحولت الكتابة إلى آلية وعي عميق تحرث في العقل أسئلة القتلى بحدة رموش البهاء معنى ومبنى لذلك أنا كتب في الشعر والقصة والنقد والمقالة وسيناريو ولم أجد ما يفرق بينهم سوى مقومات النص وشروط قوامه .
- كيف ترى تجربة الكتابة في العالم العربي ؟
أول كتابة عرفها الإنسان هي الكتابة السومرية ثمرة حضارة بلاد الرافدين هذا على مستوى المعطى التاريخي وعلى الرغم من أن حضارة بلاد العرب كانت تقوم على المشافهة و الحفظ إلا أنها تطورت وازدهرت في الوقت الذي كان العالم يعيش في عصور الانحطاط وبالشرط التراكمي كان العالم ينهل من كتاباتنا في مختلف الأصناف العلمية و الفكرية و الأدبية. وبمرور الزمن لم نحافظ على هذه الترسانة من مكتبة الحياة أما اليوم مازالت الكتابات الأدبية عندنا ترضع من ثدي السماء ومن ظلال صمت الأرواح الرهيب لتقول ما لا يقال. وهنا يمكنني أن أعرّج مثلا على هاجس أدونيس الميال إلى اتساع الرؤية مؤمنا بأنه ” يكتب ليدوّن ما قاله الله ” .
- مع تطور التكنلوجيا ، هل يمكن يوما أن نستغني عن الكتابة ؟
إن فكرة الاستغناء عن الكتابة فكرة تفتقد إلى مقومات وجودها، بما أن التخلي عن الكتابة قطع الصلة بين الزمن وحركة تطوره، باعتبار أن الكتابة في حقيقتها مجد البشرية والرافد الأهم في حفظ المنجز الإنساني، كذلك هي المثبّت للوجود كطفرة حضارية معنى ومبنى، وهي كذلك الزرع و الحصاد ليصبح الحوار دواخلها بين العاطفي والعقلي، بين الشعري و الفكري بناء سكن الإنسان حسب هيدغر. لدرجة أن الشاعرة والناقد لويس برخيس ” تصور الجنة على شكل مكتبة ” وهنا يمكنني القول أن الكتابة انتصار التدوين على الممحاة بما أنها أرض الصراع التي يجب أن نخوضها دفاعا عن المستقبل وهزيمة لشبح الموت.
- ما رأيك في الكتابات النسوّية في تونس و في العالم العربي ؟ و أين يمكننا ترتيب الكتابة النسوية من خلال الاصدارات النسوية التي ارتفعت مقارنة مع السنوات الماضية وحضورها في كل المجالات الابداعية ؟
المرحلة تعيش حالة إسهال مزمن ولخبطة في المفاهيم والتسميات وهنا لا بد أولا أن نقف عند حدود المصطلح و نفرق بين النسائية كعمل المرأة و النسوية كحركة تدافع عن حقوق وحريات النساء. اما الكتابات النسائية في تونس أو في سائر الأقطار العربية لا تختلف عما هوعليه عند الرجال بما أنها تتراوح بين الغث و السمين. أما الكتابة النسوية تكاد أن تكون منعدمة خاصة على المستوى الإبداعي الذي يحتمل آيات الرفض والتمرد و الحرية. أما في ما يخص تجربة المرأة التونسية وعلى الرغم ما خاضته من معارك تحرر على المستوى الثقافي والسياسي والاجتماعي الا أنها مازالت تفتقد إلى رافعة صلبة تسندها.
أما في ما يتعلق بالنصف الثاني للسؤال فان حضور المرأة المكثف في المشهد الثقافي اعتبره علامة صحية للمجتمع وانعكاس واضح لطبيعة المرحلة
- ما الكتاب الذي اثر في تجربتك الابداعية ؟
هو كتاب ” حدث أبو هريرة قال ” للأديب و المفكر محمود المسعدي
- ماذا تضيف الجوائز الأدبية للكاتب ؟
أنا في الأصل أكره المسابقات و الجوائز المبنية على المنطق التفاضلي وأكره حلبة صراع الثيران وفضاءات سباق الخيل فعندما يلاقي الأثر الإبداعي رواجا فهذا أفضل حافز وهنا لا بد ان نذكر الكاتب جورج برنارد شو اول من رفض جائزة نوبل و سخر منها كذلك الكاتب الفرنسي جون بول سارتر الذي رفض استلام الجائزة و القائمة تطول .
- ما مشاريعك المستقبلية ؟
في المدة الأخيرة انتهيت من نسج خيوط مجموعة قصصية بعنوان ” أخطاء جليلة ” مائة قصة قصيرة جدا كما انا الآن اتمم اللمسات الاخيرة لنص مسرحي بعنوان ” أولاد أحمد .
- كيف يرى الانسان عادل الجريدي المبدع عادل الجريدي ؟
عادل الجريدي المبدع ذاك الطفل الذي يتنكر في ثوب الشيخ مازال ككل الأطفال يبعثر لعبة الكلمات يسعد بكل ما هو بسيط ويبكي مع بكاء الآخرين. مبدع مازال يتمسك بطرح المثقف العضوي متمرسا خلف أقلام الرافض التي انحكت عمرها في الركض وراء عطور الحرية .
- ما هو الكتاب الذي حلمت ان تكتبه ولم تتح الفرصة لكتابته بعد ؟
هو كتاب تونس 10.000سنة حضارة
ورقة عن المبدع عادل الجريدي
- كاتب من تونس
- يكتب الشعر والنقد والمقالة والنص المسرحي
- عضو اتحاد الكتاب التونسيين
- عضو حركة شعراء العالم
- عضو الهيئة المديرة لاتحاد الكتاب التونسيين سنوات 2012 2017
- رئيس تحرير مجلة المسار سنوات 2012 2014
- أنتج وقدم عديد البرامج لإذاعة تونس الثقافية
- شارك في اعداد البرنامج التلفزي “وقيت حلو ” لحاتم بن عمارة
- مؤسس ومدير ” ملتقى عليسة الدولي للمبدعات “
- مدير ملتقى ” تراثنا هويتنا ” بسبيطلة لثلاث دورات
- مؤسس تظاهرة ” على جناح طفل ” سنة 2022
- رئيس جمعية تونس للابداع و السياحة الثقافية
- عضو لجنة تنظيم الدورة الثانية لأيام قرطاج الشعرية
- عضو لجنة تنظيم معرض تونس الدولي للكتاب سنة2014
- عضو مشارك في قمة المعلومات2005
- له عدة مشاركات ثقافية على المستوى العربي و الدولي
أصدر:
- ماء لهذا الماء – شعر – الأطلسية للنشر 1996
- تمتمات آخر الخيول – شعر – دار دمدوم للنشر – 1998
- نافذة القلب سيدة الشمال – شعر الطباعة و الاتصالات المرئية – 1999
- ناظم حكمت رائحة المطر – دراسة دار نضال للنشر – 1999
- عيون اجهشت بالبكاء – شعر – الطباعة و الاتصالات المرئية 2004
- رذاذ – قصائد مترجمة الى الفرنسية – فن الطباعة 2009
- منور صمادح حارس الشمس – دراسة – الطبعة الاولى دار القلم 2015
- منور صمادح حارس الشمس – الطبعة الثانية اتحاد الكتاب الجزائريين – 2016
- من عطشي تشرب الغيمات – شعر – دار عليسة للنشر – 2021
- العنف والممكن الانساني – فكر دار عليسة للنشر – 2023
كتب للمسرح :
- الحكاية – اخراج يحي يحي 2004
- هي هي – اخراج عمر بن سالم – انتاج مسرح الناس 2009
- شغل في دار البي – مع الفنانة سمية المرسني – اخراج مشترك انتاج مهرجان المدينة 2006
- تونسيات – اخراج منير العرقي 2015
نص شعري
مسالكي كيف ما يجتاحني شغفي
ومصرعي حينما يعتلّ ايضاحي
فما شربت كؤوسا غير طائعة
ولا سهرت غراما دون أطراحي
وما قطفت هياما فيه وازرة
وما نطقت بسر غير مفتاحي
أسرجت روحي إلى من بات يسكنها
أطلقت فلكي وما أهملت ملاّحي
و إن بكيت فان الوجد مكمنه
ليل الهيام وما أحياه مصباحي
و الثغر قد رجّني في كل بارقة
و ما سقتني غداة البعد أقداحي
فان صلبت على أبوابها شغفا
فهل يموت نداء سرّ ألواحي
بدر تحدّث عنه الليل حين بكى
هدب ومنه تدلّى وقت أفراحي