صدور رواية “عيسى يغادر الكهف” للكاتب الحسن عاشي
لا تكتفي رواية عيسى يغادر الكهف بسرد قصة شابٍ يعود إلى قريته محمّلًا برغبة في تطويرها، بل تتحوّل هذه الرحلة إلى تجربة أدبية غنية تمزج بين السرد والفكر، بين الواقع والطموح. بأسلوبٍ يجمع بين العمق والسلاسة، وبين التصوير الحي والتحليل الدقيق، تجعلنا الرواية شهودًا على ولادة رؤية جديدة لعلاقة الإنسان بمجتمعه وبيئته، رؤية تقوم على التضامن، والإبداع، وإعادة التفكير في أسس العيش المشترك.
من مشروع المأوى الذي يجسد مفهوم الاقتصاد التضامني، إلى التعاونية النسائية التي تعكس نضال المرأة القروية، ومن المسارات الجبلية التي تعيد الإنسان إلى جذوره الطبيعية، إلى المكتبة التي تبرز المعرفة كأداة للتحرر، كل تفصيلٍ في الرواية يحمل رمزية تنموية واجتماعية، تتقاطع فيها مفاهيم العدالة الاقتصادية والاجتماعية مع أسئلة الفعل الجماعي ومسؤولية الأفراد في صناعة التغيير.
بين السرد والفكر: رؤية تنموية بديلة
ما يميز عيسى يغادر الكهف هو كونها لا تنشغل فقط برسم شخصياتٍ تتحرك في فضاء روائي، بل تسائل الأنماط السائدة في التنمية والاقتصاد والمجتمع. من خلال شخصية عيسى، الذي يتنقل بين فضاءات مختلفة، يتجلى سؤال جوهري حول حدود السوق ومنطق الربح كآليات وحيدة لتنظيم العلاقات الاجتماعية. في أكثر من موقف، تقدم الرواية بدائل لهذا النموذج، عبر مشاريع تعاونية قائمة على المشاركة والتضامن والتمويل التشاركي.
من الفكر إلى الفعل: الرواية كمساحةٍ للتجربة
عيسى يغادر الكهف من الرواية مساحةً للتجريب، حيث تُختبر الأفكار في الواقع لا في التنظير فقط. عندما يواجه عيسى محاولات تحويل الحديقة العمومية إلى مشروع تجاري في فصل الحديقة في خطر، يصبح الفضاء العام رمزًا لمعارك أوسع تتعلق بحقوق الأفراد في مدينتهم، وبالتوازن بين الاقتصاد والحفاظ على البيئة. هنا، تتحول الرواية إلى سؤال مفتوح: كيف يمكن بناء تنميةٍ تحترم الإنسان والطبيعة معًا؟
بأسلوبٍ ممتع ومحمّل بالتفاصيل الحية، تنجح الرواية في نقل القارئ من المشهد الفردي إلى البعد الجماعي، ومن التأمل إلى الفعل. إنها ليست فقط قصة شابٍ يسعى لفهم واقعه، بل دعوةٌ ضمنية لإعادة التفكير في علاقتنا بالمكان والمجتمع، وللتساؤل حول إمكانيات الفعل والتغيير خارج المنظومات السائدة.
عن الكاتب الحسن عاشي،
اقتصادي مولع بالأدب، حاصل على دكتوراه في الاقتصاد من جامعة بروكسل. شغل عدة مناصب في مؤسسات دولية وإقليمية، وكان دائم الانشغال بأسئلة التنمية والعدالة الاجتماعية. نشر أعمالًا بحثية حول الاقتصاد السياسي والتوزيع العادل للثروة، ويأتي عمله الروائي الأول عيسى يغادر الكهف كامتدادٍ لهذه الاهتمامات، حيث يلتقي السرد والتحليل في تجربةٍ أدبيةٍ متميزة.