الرئيسية / شموع / الديوان الزجلي (ماشي أنا) للأديبة ثريا بن الشيخ: (الزجل برؤيا جديدة دلالة وإيقاعا) مجد الدين سعودي

الديوان الزجلي (ماشي أنا) للأديبة ثريا بن الشيخ: (الزجل برؤيا جديدة دلالة وإيقاعا) مجد الدين سعودي

 

الديوان الزجلي (ماشي أنا) للأديبة ثريا بن الشيخ: (الزجل برؤيا جديدة دلالة وإيقاعا) مجد الدين سعودي

 

استهلال

الأديبة ثريا بن الشيخ وفية لموطنها، وفاء الحنين والتشبث بالأرض، وتعبر عنه قائلة:

(تِزْنيتُ يا أُهْزوجَةً سَكَنَتْ فُؤادي

مِنْكِ ارْتَوى المَجْدُ سَال مِدَادي)

تقول عن الكتابة :(اَلكتابةُ وَرْطة نَقعُ فيها بِكُلِّ ما فينا من خُشوع وهَلعٍ رغبةً في مُواجهةِ شعورِنا بالضّعف أمام اللاّنهائي..)، وكذلك: (بفضل الكتابة دخل الانسان التاريخ، بفضل حكي شهرزاد انتشرت الحكايات والقصص والأساطير التي من خلالها تربى مخيالنا الجماعي).

وهي ضد تصنيف الكتابة حسب الجندر والنوع العرقي والجنسي:(مفهوم الكتابة النسائية مفهوم …لا يستند الا على أساس عرقي أو نوعي.)، و: (الكتابة فاعلية فكرية بدون هوية جنسية أو نوعية.)، منتصرة للقيم الانسانية والكونية.

 

1 عن الديوان الزجلي (ماشي أنا)

صدر عن دار الوطن، وهو برؤيا جديدة دلالة وإيقاعا، حسب ثريا بن الشيخ ويضم 17 قصيدة وهي (القصيدة، ونا مالي، ما تقوليش، فاين، يا سما، آلو، ميمتي أنا، مول النية، مرايتي، الميمة، آش داني، منسجنا بلا قرشال، سوق راسي، بين يديك، شكون أنا، واييه، ماشي أنا).

كتبت الأديبة ثريا بن الشيخ في مقدمة الديوان: (يُدْرك المُتورط في فِعل الكتابة أنه يُواجِه العالَم وهو يَراهُ من مِنْظار نفسِه، ولكنه لا يْحكي عنها بالضرورة…. إن الكتابةَ فعل يَكاد يَكون مُستقلا عن تَوجّهات فِعل التأويل، ومن ثم فلا يُنْظَر إلى النصوص على أنها مرآة كاشفةٌ لصاحبها، بل هي نُزوع إلى مُلامَسة الإنساني والكوني المشترك بيننا… فليس المقصود بالإبداع استخراج البطل المحور (الذات الشاعرة) من أجل فهمه وتصنيفه أو تقييمه، وإنما هو خطاب لغوي، مُعضلات كِيانية تسعى إلى توجيه فعل التلقي وجعله يتواطأ في رحلة البحث عن الذات بفعل لا يخلو من وَعيٍ منهجي. إن الكتابة … ورطةٌ جميلةٌ …

فالبعد الذاتي من الإبداع يَعُجّ بالخصوصيات التي لا يتم إدراكُها بسهولة، فهي تشمل المَعيشَ والمُتخيل كما تَضم الممكن والمحال وغير المتوقَّع، ففي الكتابة بياضاتنا وما نعيشه من قلق وجودي وتناقضات وإخفاقات وانكسارات، ولكنها تجربةٌ لغوية قبل أن تكون حالاتٍ توهِمُ لأول وَهلةٍ بسهولة تصنيفها… يختلف التعبير من لغة لأخرى، من خلال النسق التصوري الذي يميز كل لغة على حِدةٍ، ويُعتبر الزجل الانعكاس التلقائي لوجدان الشعوب، خاصة وأن التحرر من سُلطة قواعد اللغة المعيار، عودة إلى صياغة العالم بعيدا عن الذاكرة الأدبية التي تبرر التعالقات النصية. إلا أن هذا لا ينفي قيام الكتابة على التعالق والتراسل والترابط، فهي تقنيات الكتابة كفعل قائم على التداخل بين عدة نصوص سابقة (من مختلف اللغات والأشكال المعرفية) علقت بالذاكرة والوجدان ويتم التقاطها من خلال اللّاوعي المتحدث.

وأنت تقرأ النصوص، لا تنظر إلى كوني بطلةَ ما بدا لك من معاناة، اُنظر إلى حياتك أنت…

(ماشي أنا): النصوص تقدم مواقف ومفاهيم وتعريفات ومفاتيح تعتمد لاكتشافِ الذات والعالم، وليست حالات معزولةً قابلة لتصنيف صاحبها. حين تتكلم النصوص، لا تتكلم عن صاحبها بشكل مباشر، فاللغة كائن حي، ولا يمكن أن تتقبل إسقاطات التلقي ورغبته في التأييد أو الرفض أو التصنيف، الكتابة رحلةُ بحث في عوالم الكائن والممكن، بوابةٌ نحو المستحيل، تطرق المستقبل وتتحاشى التنميط والاجترار. اِقرأ النصوص دون ربطها بصاحبها … اِقرأ من خلالها حياتَك أنْتَ وتجاربَك وطموحاتك وما تعيشه من تناقضات …)

تضيف في تصريح:(من خلال ديوان (ماشي أنا)، انتقلت من التعبير من الفصحى الى العامية، لكن من خلال لغة الزجل النظيفة مرتبطة بالزجل والملحون وبالايقاعات المعروفة …

طبعا هذا الديوان انتقلت فيه من تصور مختلف لمفهوم الكتابة نظرا لنسق تصوري للغة العربية الدارجة المغربية، فالدارجة المغربية هي لغة بكامل قواعدها الصرفية والنحوية والبلاغية المختلفة، هي لغة مستقلة …هنا يكمن سر الابداع في العامية المغربية… فالزجل بالدرجة الأولى هو الانعكاس التلقائي لوجدان الشعوب، ولكن حينما انتقلت من الفصحى والأمازيغية والفرنسية، فإنني ارتبطت بنسق تصوري للغة المغربية الدارجة، لذلك فان مجازاتي كانت مختلفة، كما أن الرؤية التي انتقلت منها تختلف كل الاختلاف عما تعودته في الشعر الفصيح …

جملة (ماشي أنا) تشير الى نوع من المخاتلة، لأنها ليست تنصلا من المسؤولية وانما هو اثبات لها، لأنه ان كنت (ماشي أنا) لست أنا التي أتنازل على كبريائي ولا أتاجر بمواجعي، وأيضا لست أنا التي تمتهن معاناتها …

(ماشي أنا) سر لا يمكن أن أفصح عنه الا بالنسبة للقارئ الذي استطاع فعلا أن يدرك لب هذه الصيغة، (ماشي أنا) صيغة تدل على (الأنا)، لأن (ماشي أنا) كما نظن، ولكن (أنا) كما أريد أن أكون.

(ماشي أنا) … لست البطلة وانما أدعو كل واحد ليكون هو بطل قصته، أن يحمل همه وأن يشرك الآخر … مواجعه، خيباته، وفي نفس الوقت يبني له كيانا إيجابيا يشرك فيه بقية الآخرين.)

 

2 عن قصيدة (ماشي أنا):

عبر ريشة نبضها وقلمها، تفتح وتسائل كتاب الذات، فتجعل منها وجودا وفلسفة، ذات أبية غير مخاتلة، تعتمد لغة الشجاعة والفروسية والحكمة، عاشقة للهلال في الليلة الظلماء، تشم رائحة التراب الممزوج بالمطر والمعاني والتحديات..

هذه الذات الشاعرة مرتبطة بالقصيدة الزجلية التي لها شيوخ كبار وأصول نحوية وايقاعات. ذات الحرف والمداد، ذات مواجهة الحساد والذئاب تكره الهروب والخضوع، فتحضر (أناها)، (أنا الآخر)، لكنه حضور غير أناني، يستمد شرعيته من الورود والفروسية والنوستالجيا…

قصيدة (ماشي أنا):

(ماشي أنا ..

ما قْطْعْتْ وادْ

مافْزّْكَتْ رْجْلِيَّ

مْلّي سْكْنَتْني جْذبْةْ الكَرْحْ

تْفتْحَتْ لِيَّ سْراجْمْ الفْرْحْ

رْكْبْتْ الحْرْفْ جْوادي

بْعيوني وْرْجْلِيَّ

ما سْرّْجْتُه مادْرْتْ لِهْ اللْجامْ

بْجْوادي وْحْرّْ مْدادي

سْقيتْ دْوايْتُو

وْبْريشْةْ نْبْضي

يْبْقى مْعايَ فْ الدّْوامْ

قالو : القْصيدة بْشْياخْها

فاكْيَه وْعْرْصَه وْغيرْهُمْ

كايْطْلْقو الزْنادْ بْلاَ عْتادْ

مالْهُمْ فْ الأرْضْ

وْلادْ وْلَاوْتادْ

وْلَا عاشو عامْ الجْرادْ

نْساوْ بْ لِّي تْوْلْدْ فْ الزْريبَه

مْعَ الخيلْ

وْسْهْرْ اللّيلْ

ما يْخافْ مْنْ التْبوريدَه

ما يْخْصّو عْنادْ

وْلا تْزْهْرْ بْلا بِهْ البْلادْ

يْزورْني الهْلالْ فْ جوفْ اللّيلْ

يْهْوّْلْني يْسْهّْرْني يْسْكّْرْني

بْلا كأسْ

بلا قْراحْ

بْلا قْداحْ

ماشي أنا

لّي تْهْرْبْ مْلّي يْبْرّْحْ البْرّاحْ

بْ التّْويزَه

وْتْخافْ مْنْ الكَلَّه

إِلى تْقالْتْ بْ المَا

مْلّي يْرْفْعو النّْفّارْ

قْبْلْ ما يْطْلْعْ النّْهارْ

يْبْداوْ يْرْكْبو فْ الكارْ

أنا الأولى نْرْفْعْ الفْنارْ

مْنْ دارْ ل دارْ

نْطْرْكَ الجارْ وْالجارَه

كُلْنا نْحْصْدو نْجْمْعو الزّرْعْ

الشّْعيرْ والقْمْحْ وْالخيرْ

نْوْزْعوهْ فْ كُلْ دارْ وْدارْ

أنا مْنْ صْغْري

حْبّيتْ التّْرابْ

وْمْنْ ريحْةْ الشّْتا نْلْقى فيهْ

دْوا وْعْطْرْ وْحْصَانَه وْحْجابْ

كُلّْ وْرْدَة وْعْشْبَة بْ سْمِيّه

وْكْنْيَه وْجْوابْ

نْعْشْقْ لونْها نْعْبْرْ طولْها

وْريحْتْها لي سْقا وْشرابْ

مْلّي نْدْخْلْ سوقْ المْعاني

تْهيجْ عْلِيَّ نْغْمْةْ التْبوريدْ

يْرْكْبْني الهْبالْ

ما يْخْلْعْني مْجْمْعْ الاحْبابْ

وْلا لْمّةْ العْدْيانْ مْعَ الأصْحابْ

نْصولْ وْنْجولْ بينْ الحْصّادَه

والحْصيدَه

ما نْخافْ مْنْ سْخونِيّْةْ العْصيدَه

وْالمْعاني عْلى لْساني

تْلْقى الدّوا لْكُلّ مْحْسادْ مْغْتابْ

ماشي أنا

لّي نْفْرّْقْ اللّْغا باطْلْ

وْنْقْرْقْبْ بِهْ النّابْ

باشْ نْجْرْ عْنْدي

داكْ الذّيبْ المْجْرابْ

وْلاَّ ذاكْ لّي يْتْخْبَّى

وْرا سْلْهامْ الْغْرابْ

نْبْغيكْ تْقراني

باشْ تْقْراكْ

تْلْقى الجْوابْ لْحْياتْكْ

تْفْكّْرْ فْ لّي جايْ قْدّامْكْ

شْطْنْ عْقْلْكْ وْسّْدّ عْليكْ البابْ

راهْ القْصيدَه بِئرْ مْنْ المْعاني

وْماشي أنا لّي فيها

نْصْوّرْ لِيكْ شْحالْ كانْعاني

أنا نْجْمَه فْ سْماها

تْبْرْقْ وتْكَبْصْ

تْضْوّي ليكْ الخوفْ

لّي مْدْفونْ فْديكْ الرّْكاني

مْنْ حْرّْ الصّيفْ وْقْرْصْ الشّْتا

مْنْ التّْويزَه

يْتْنْسْجْ وْيْحْلى الكْلامْ

مْعَ مولاتْ تاوْنْزا ..)

 خاتمة

هذه ارتسامات أولية عن ديوان (ماشي أنا) الذي سنعود اليه مستقبلا في مقاربة نقدية متكاملة.

 

 

ناقد من المغرب

عن madarate

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *