الرئيسية / الأعداد / أحمد المجاطي: عندما تدفع (الفروسية) الشاعر الى القول: (تسعفني الكأس ولا تسعفني العبارة) – مجدالدين سعودي. 

أحمد المجاطي: عندما تدفع (الفروسية) الشاعر الى القول: (تسعفني الكأس ولا تسعفني العبارة) – مجدالدين سعودي. 

أحمد المجاطي: عندما تدفع (الفروسية) الشاعر الى القول: (تسعفني الكأس ولا تسعفني العبارة)

مجدالدين سعودي. 

 

استهلال

أحمد المجاطي المعداوي، من طينة الشعراء المتمردين والنقاد الكبار..

شاعر قليل الكتابة لكن كتاباته عميقة.

يقول محمود الرحبي: (أحمد المجاطي المعداوي… توقّف عن كتابة الشعر بعد هزيمة 1967 وانكسار الحلم العربي. اختار الصمت موقفا، فارتكس وارتكن إلى ذاته، تعبيرا عن حالة اليأس التي سادت العالم العربي بعد النكسة، خصوصا في ضمائر النخبة الثقافية المتطلعة)1.

بينما قال عنه الكاتب التونسي حسونة مصباحي:(شاعر متفرد ومتمرد ومشاكس )2

 

1 في سيرة الذاتية

يُعَدُّ الشّاعر أحمد المجاطي (1936- 1995) من أبرز الوجوه الشعرية والنقدية المغربية في ستينات القرن العشرين.

تلقى دراسته الابتدائية والثانوية في الدار البيضاء والرباط.

حصل على الإجازة في الأدب العربي من جامعة دمشق.

نال دبلوم الدراسات العليا من جامعة محمد الخامس في الرباط (1971) بأطروحته (حركة الشعر الحديث بين النكبة والنكسة (1947 -1967))

نال دكتوراه الدولة بـأطروحته (أزمة الحداثة في الشعر العربي الحديث).

قام بالتدريس أولا في جامعة محمد بن عبد الله في فاس منذ 1964، ثم في جامعة محمد الخامس في الرباط.

له كتاب (ظاهرة الشعر الحديث) و(أزمة الحداثة في الشعر العربي الحديث) …

ساهم في تطوير القصيدة المغربية الحديثة، واعتمد منهجا نقديّا صارما تجاه التجارب الشعرية التي برزت في الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي.

حصل أحمد المجاطي عام 1985 على جائزة ابن زيدون التي يمنحها المركز الأسباني-العربي بمدريد، وعلى جائزة المغرب الكبرى عام 1987…

 

2 يسعفني الكأس

تميز أحمد المجاطي بقلة الأصدقاء وإعطاء آرائه الصريحة والجريئة في كتابات الشعراء مما دفع الكثيرون الى النفور منه، فكان يجد راحته في الكأس، أنيسه الدائم:

(خيوط من آذان الفجر تمسَحُ غفْوَةَ الأشياءْ

وسرْب من طيور البحر يحملُ كلّ منقارْ

عيون جزيرة خضراء

وطلّ تحت أمواج النخيل وضوء شبّاك

وماذا كان في عينيّ من حلم

سوى قطرات هذا الضوء أشربها ندى

وأصبّها

سحبا وأمطارا؟

وماذا؟”.)

 

يقول الدكتور امحمد برغوت: (تختزل قصيدة المجاطي: (السقوط) الزمن وتكثفه، إنه زمن مأساوي يقود الشاعر إلى مسحة من الحزن الذي يجري في أعماقه، حيث تختلط انفعالاته لتجعله أكثر إحساسا بالضياع والعجز، ولذلك فهو لا يستطيع التخلص من حزن الزمن الرتيب…

فلا المكان قادر على إضفاء نوع من الإحساس بالاطمئنان، ولا الزمن بمستطيع أن يحرره من الشعور بالإحباط والأسى ليعيد إليه صوابه؛ ولذلك فهو دائم الانقياد لسحر المدام التي استباحت كل جارحة لديه، وهو إذ يعاقرها لا يرتوي، لقد استبد به الظمأ وأسلمه للإحساس بعطش الأحقاب الغابرة:

(تصبين القبور
وتشربين
فتظمأ الأحقاب
ويظمأ كل ما عتقت
من سحب ومن أكواب
ظمئنا
والردى فيك
فأين نموت يا عمه).3

الشيء الذي يجعله يشبه الخمر بامرأة فاتنة:
(حين أخلو بها
بعد منتصف الليل
ترشق في الخصلة المستريحة
زنقبة
تفتح الصدر لي والشوارع
تضحك من وجهي المستدير
قليلا
تبادلني قبلة)

3 ديوان الفروسية

أبدع المجاطي بديوانه الخالد (الفروسية)، أو (الخمارة). فصار أيقونة شعرية لحد اعتبره البعض (إنجيل الشعراء) في المغرب.

الملاحظ أن الجملة الشعرية عنده كاملة ومتكاملة، والحرف عنده توهج وانبعاث:

(حرف توهج
والتهب
صب السليقة في الغضب
وأقام في المابين
حرف توسم
في ازرقاق البحر
محبرة وفي الشجر المسافر
في شقوق الغيم
أقلاما
فادخل في مراسيم الكتابة)
كما يضفي على حرفه حمولة أسطورية:

(ألم أطراف الحروف
اقرأ الإشارة
واللغز
والطلسم
والتميمة
اقرأ عل الحكمة القديمة
تخرج من أثوابها الصفراء
من محبرة الهزيمة)

فالكلمات عنده لها قدسية، لهذا كان يختارها بعناية فائقة:

(هي كلمة خفقت
بسبعة أحرف
وأجازها الدم
قبل أن تفتضها
السبع الخطايا
وأنا الذي آنستها
نارا)

أما الذات الشاعرة فهي ذات مهتمة بالوجود والأسئلة الكبرى وقضايا الوطن العربي الشائكة وانكساراته:
( لكني أخرج من سوالف الأوتاد
أمازج الأعشاب والأسماك والطوب
أدق باب السجن
في مراكش
أفلت من محفظة
الجلاد
أرسم فوق جبهة القرصان
علامة الثورة)

يقول محمد عبد الرضا شياع: (والمتتبع لهذا الدّيوان يجده مسكوناً بالوجع الشّعري. وجع يعبِّر عن هموم الزّمان والمكان العربيين، إذ تحفل قصائد هذا الدّيوان بخلفيتها التّراثية التي تشكِّل عالماً يبتهج بالوقائع والأحداث التي تتفاعل مع لحظة الكتابة الشّعرية وتجلياتها. … لذلك جاء الدّيوان بأكمله كتابةً تكشف عن عمق الجروح والانكسارات:‏

(تحز خناجر الثّعبان
ضوء عيونكِ
الأشيب
وتشمخُ في شقوق التّيه
تشمخُ لسعةُ العقرب
وأكبر من سمائي
من صفاء الحقد في عينيّ
أكبر
وجهكِ الأجدبْ
أيا باباً إلى الحق‏
ارتمى
من أين آتيكِ
وأنتِ الموتُ، أنتِ الموتْ
أنتِ المُبتغى
الأصعبْ.‏ )4

أحمد المجاطي صاحب رؤيا ورؤية وقضية معا، ينطلق من الوجع الإنساني مستثمرا التراث بذكاء كبير:

(تلبسني الأشياء
حين يرحل النّهار
تلبسني شوارع المدينة
أسكن في قرارة الكأس
أحيل شبحي
مرايا…….‏
أقول:
يا أرض ابلعي ماءك
أو فلتغرقي
في الدّم
والأشلاء
والأنين. (قصيدة: السّقوط)

يقول محمد عبد الرضا شياع: (من هنا نجد قصائد هذا الدّيوان حافلة بتوظيف النّصوص التّراثية ومنها الدّينية على وجه الخصوص، الأمر الذي يجعل القصيدة المجاطية متعددة القيم والدّلالات، إذ تتيح قراءتُها للمتلقي استشراف آفاق شعرية تتمتع بثراء التّجربة وبفرادة الإنتاج الإبداعي، لأنّ الشّاعر متأنٍ في الكتابة وهذا ما يجعله مقلاً غير مكثر، لذلك جاءت كتاباتُه الشّعرية خالية من الحشو والإطناب …. فعلى الرّغم من أنّ الكتابة عند المجاطي سيل من المتضادات يظل مقتصداً في الكلام… والشّاعر يكابد هول عذاب الحرف:

أخرج من دائرة الرّفض
ومن دائرة
السّؤال
أراقب الأمطار
تجفُّ في الطّويّةِ
الأمارة
تُسعفني الكأس ولا
تُسعفني العبارة. (قصيدة: السّقوط) 4

ديوان (الفروسية) هو اسم على مسمى، فهو يؤرخ لتاريخ النكسات العربية والإسلامية: والضياع:

(أنا النّهرُ‏
أمتهنُ الوصلَ بين الحنين‏
وبين الرّبابة‏
وبين لهاث الغصونِ وسمعِ السّحابة‏
أنا النّهر أُسرجُ همسَ الثّواني‏
وأركب نسغ الأغاني‏
وأترك للريح والضّيفِ صيفي‏
ومجدولَ سيفي‏
وآتي على صهوة الغيم‏
آتي على صهوة الضيمِ‏
آتي على كلّ نقع يُثارُ‏
وآتيكِ،‏
أمنحُ عينيكِ لونَ سهادي‏
وحزنَ صهيل جوادي‏
وأمنحُ عينيكِ صولةَ طارق‏
وأسقط خلفَ رمادِ الزّمانِ‏
وخلفَ رمادِ الزّوارقِ‏. (قصيدة: سبتة)

يستحضر شاعر الفروسية فرسان الأمة الإسلامية:

( جئت بخيل طارق
وعقدت ألوية الرفاق
وراء عقبة
اعلم الفرسان
كيف تغص بالدمع
البنادق)

وبألم ووجع كبيرين، ينشد:

( يا أحبائي
مضى أبد ولم يمتد جسر
بيننا
ما عادت الأفراس تجمع
أو تصول الريح
شد خناجر الفرسان في أغمادها
صدأ
سأبقى ها هنا ظلا
على سفح الجدار
يلمني جزر
وينشرني هدير الموج
يا ويحي
تمزق كل شيء في يقيني
ما هدير الموج
ما الأنهار
أنا المنسي عند مقالع الأحجار)

خاتمة

وأجمل ما نختم به هو قصيدة (السقوط) لأحمد المجاطي والتي أبدع فيها كثيرا:

(تلبسني الأشياء حين

يقبل النهار

تلبسني شوارع المدينة

أسكن في قرارة الكأس،

أحيل شبحي مرايا

أرقص في مملكة العرايا

أعشق كل هاجس غفل

وكل نزوة أميرة

أبحر في الهنينهة الفقيرة

أصالح الكائن والممكن والمحال

أخرج من دائرة الرفض ومن دائرة السؤال

أراقب الأمطار

تجف في الطوية الأمارة

تسعفني الكأس

ولا تسعفني العبارة

لكنني أقول:

شربت كأسي فاشربي أيتها البحار

لم تبق إلا ساعة وتخلع المدينة أثوابها،

ويقبل النهار

قبل أن أغمس في الضوء

سراب الشك واليقين

أقيم من قهقهة السكارى

عرسا

وراء اللحظة الشمطاء

والدقائق العذارى

أقول يا أرض ابلعي ماءك أو فلتغرقي

في الدم والأشلاء والأنين .

في اللحظة الأخيرة

إذا تلاشى الليل في سعلته الضريرة

يرفض أن يغسلني الفجر

وأن تشربني الغمامة

أبقى وراء السيف والعمامة

ملقى

على ظهر الثرى،

ملقى)

 

 

ناقد من المغرب

 

احالات

1 محمود الرحبي: (في تذكّر أحمد المجاطي)، موقع العربي الجديد

2 حسونة مصباحي: (شاعر مغربي تسعفه الكأس ولا تخذله العبارة)، موقع العرب

3 د. أحمد برغوث: أحمد المجاطي: (الشاعر العاشق للنزوة الأميرة والساكن في قرارة الكأس)

4 محمد عبد الرضا الشياع: الشّاعر أحمد المجاطي بين عذاب الكتابة وألق الإبداع)، موقع الحوار المتمدن

 

عن madarate

شاهد أيضاً

أمسية تكريم فعاليات نسائية ضمن أمسية شعرية رمضانية تخليدا لليوم العالمي للمرأة – حسناء آيت المودن

أمسية تكريم فعاليات نسائية ضمن أمسية شعرية رمضانية تخليدا لليوم العالمي للمرأة حسناء آيت المودن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *