كتاب في الشعرية والكتابة : نداء الشعر صلاح بوسريف- اسماعيل هموني
استهلال:
أن تجالس كتابا؛ معناه؛ أن تعيش الترحال… والسفر… والمتعة… وأناقة التفكير. مجالسة الكتاب فتح في العتمات؛ وسعى في اللامعلوم حتى تتبين الخيوط، أبيضها من أسودها. حين تسمع للكتاب، فأنت تسمع التعدد؛ وترى بأذنك ما لا تراه عينك. ترى جيشا من التفكير مدججا بالمعاني التي عكفت عليها لن تجمعها بوحدك. على حد التخوم تجد ما فاتك من الفواصل؛ وتقبض ما ظل هاربا من وعيك. حين تتخطى تلك التخوم يتربص بك اللاوعي فتغشاك عوالم التخييل ولا ترى سوى ما غمغم فيك وأنت طفل؛ ولا تسمع سوى من تراسل فيك وأنت أبعد من طفولة.
أن تقرأ كتابا، تستعيد الأصوات التي انطمرت في شقوق غائرة؛ وتسترد اللحون التي دهستها الألسن حتى تشابهت كالحجر.
ههنا نجلس لنقرأ؛ ندع الكتاب يقودنا إلى حيث يريد؛ نشخص بأبصارنا؛ نتبعه ونحن نتحسس وعينا؛ ندرك المسافات الفاصلة بيننا وبينه؛ وندغم أشكال الوعي التي تتفارز في صيغ التواشج أو التوالج من الأساليب؛ وأفانين التبالغ الجمالية.
عندها فقط؛ ندرك / نعلم أننا نقرأ، وأننا في جلسة لا تنتهك حرماتها إلا صمتا؛ وأنفاس صاعدة نحو الأعالي؛ وأخرى هابطة نحو أعماق في قاع الوقت.
كأننا في صلاة مقدسة؛ متمرسة بالخشوع؛ والامتثال النقي لصوت القداسات. نعيش النداء؛ ونقيم في الاصطفاء؛ ونولد مرات في البهاء.
نأتي من المستقبل؛ ونحن نقبض يد الحاضر غير خائفين ولا خائبين…
كتاب في الشعرية والكتابة : نداء الشعر صلاح بوسريف
بين الشعر وندائه ما لا يعلم من المسافات ؛ فقد يكون البدء تصورا ما، أو أفقا يتشكل على مهل ؛ بين المعلوم واللامعلوم تأتي الكتابة
من جهات تجيد الكيد .
( مكائد النداء) كما يسميها الشاعر صالح بوسريف هي صيرورات
الشعر وتحولات ندائه. ولأن الكتاب سير في أفق الحداثة الشعرية وانشغال معرفي في مجهولات الكتابة الشعرية ؛ آثرت أن أقف فيه على الآتي :
■ الشعر إقامة في العراء . (ص: 8)
■ لا يكفي أن تتكلم حتى تكون مسموعا. (ص: 11)
■ القراءة العمياء؛ لاتذهب إلا لليل الكتابة وسوادها. (ص: 20)
■ في حداثة الكتابة ؛ اللانهائي ؛ هو شرط شعريتها. (ص: 21)
■ الكتابة وفق هذا التصور؛ هي مصير معرفي ؛ يجعل النص وهوينكتب ؛ يتوجه إلى تمثل النص باعتباره كتابة مركبة؛ ولقاء تتحقق فيه المواجهة بين القارئ والصفحة ؛أو الكتاب بالأحرى. (ص:29)
■ العين التي لا ترى إلا السواد ؛ هي عين مقفلة . ممتلئة.
لم
تدق
طعم الفراغ.
هذا؛
هو فضاء الأعمى. (ص:32)
■ ليس الشعر حدثا؛ أو استعادة لما جرى من وقائع وأحداث.
الشعر اشتعال ؛ وتجديد متواصل للكلام . الشعر هو اللغة حين تعيد ترتيب سياقاتها ؛ وتذهب إلى ” المتبقي” والمفترض. (ص:61)
■ الشعر هو تسمية للأشياء ؛ ونبش في المختفي والمطمور في جوهر الشيء وفي أعماقه. هذه أوليته. (ص: 63)
■ لا يقين في الشعر ؛ الشعر مهب ؛ وهو محو دائم لكل ما قد يصير يقينا ؛ أو ما قد يشبه اليقين. (ص: 64)
■ إن الكتابة؛ بما هي ممارسة ؛ لم تعد تشترط وجودها بالقائم؛ فهي بدء. أي انها إنحياز فاضح للشعر وليس إلى القصيدة .
إنها عودة إلى أول الماء. (ص: 98)
■ لا شيء يأتي من فراغ . (ص: 137)
■ ألم يذهب النفري إلى أن العلم المستقر جهل مستقر.(ص: 139)
- ● قراءة ممتعة●●
ناقد من المغرب