الرئيسية / الأعداد / في القطار ليوبولدو ألاس (كلارين)* / Leopoldo Alas “Clarín” – ترجمة عبد اللطيف شهيد

في القطار ليوبولدو ألاس (كلارين)* / Leopoldo Alas “Clarín” – ترجمة عبد اللطيف شهيد

في القطار ليوبولدو ألاس (كلارين)* / Leopoldo Alas “Clarín”

ترجمة عبد اللطيف شهيد*

 

دوق مدينة (Pergamino)، أمير نومانسية (Numancia)، كونت بينياسأريبا (Peñasarriba)، مستشار السكك الحديدية العريضة والضيِّقة، وزير دولة سابق ووزير أعالي البحار…يعتقد أنَّه على حق أكثر من اللازم. تصوَّروا أنه أتى من مدريد وحيدًا، مستلقيًا في مقصورة محجوزة، وكان عليه أن يرضى بها، لأنه لم تكن تحت تصرفه سيارة -نوم أو أي شيء مشابه، بسبب بلادة الموظفين. والآن، في أفضل وقت الأحلام، في منتصف الليل، في منتصف قشتالة، يفتحون باب مقصورته، ويطلبون منه ألف عفو… لأنه يتعين عليه أن يقبل صحبة مسافرَيْن: سيدة في وضعية حِداد، ترتدي حجابا سميكا، ومُلازم مدفعية.

ليس هناك ثمة مجاملة تنفع؛ فالنبيل الإسباني؛ طبعه إنجليزي جدا، عندما يسافر، لا يقبل سلوكيات العصور الوسطى: يُدافع عن شخصيته المُحافظة بكل ما تعلَّمه الدوق القشتالي النبيل عندما كان طالبا إنجليزيا، في جامعة إيتون بإنجلترا.

فهو مستشار، عضو مجلس شيوخ، دوق، وزير سابق، ولن يسمح لشخصين غريبين بدخول مقصورته، خصوصا، بعد أن وافق مُرغما على الاستغناء عن صالون النوم، الذي هو من حقه! الأمر مستحيل! الذبابة لا تدخل هنا.. ك!

حاولت السيدة التي في حداد، محرجةً ومرتبكةً أن تختفي، وتلجأ إلى أي مقصورة قد تكون فيها هناك كلاب أفضل… لكن ملازم المدفعية سدَّ عليها طريقها، مُحتلا بالكامل مخرج المقصورة، وبهدوء كبير شرع يدافع عن حقها، حق كليهما.

– أيها السيد، أنا لا أنكر حقك في تقديم شكوى ضد إهمال الشركة… ولكنني، وهذه السيدة أيضًا، على ما يبدو، لدينا تذكرة درجة أولى؛ كل المقصورات الأخرى تكون مملوءة. في هذه المحطة لا توجد طريقة لزيادة الخدمة، توجد هنا الكثير من المقاعد الفارغة، ونحن هنا لشغرها.

أيَّد رئيس المحطة ادعاء الملازم بخجل. تمنَّع الدوق، استسلم رئيس المحطة… استدعي الملازم عريفًا من الحرس المدني، الذي، عند علمه بالقضية، طبَّق الأحكام العرفية على لوائح السكك الحديدية، وقرر أن الأرملة (يجعلها أرملة) والملازم؛ يشغران مكانهما في مقصورة الدوق الخاصة، دون أن يشعر هذا الأخير بأن هناك خدعة من قبل أي شخص يهمه الأمر.

احتج السيد الذي من بيرغامينو. لكن، انتهى به الأمر إلى الهدوء، وحتى تقديم سيجار رائع للجندي، الذي علم عنه للتو، عن طريق الخطأ، أنه ذاهب على متن القطار السريع للانضمام إلى كتيبته، التي سوف تتوجه إلى كوبا.

 

  • إذن، أنتَ ذاهِب إلى المحيط للدفاع عن سلامة الوطن؟
  • نعم سيدي، في السحب الأخير كان من حظي الذهاب قسرا.
  • كيف ذلك؟
  • تركتُ أمي وزوجتي مريضتين، وطفلين دون الخامسة من عمرهما.
  • حقّا الأمر مؤسف، لكنه الوطن، البلد، الراية…
  • أعلم ذلك، سيدي الدوق. هذا الأوْلى. لذا أنا ذاهب. لكن أتأسف أن أترك الأمر الثاني. وأنت، سيدي الدوق إلى أين أنت ذاهب؟
  • أوف… في الوقت الحالي إلى بياريتز، ثم إلى شمال فرنسا … لكن هذا أمر قريب. بعدها سأعبر القناة، وأقسِّم شهري أغسطس وسبتمبر بين جزيرة وايت، وكوز، وفينتنور، وريد، وأوزبورن.

السيدة التي ترتدي ثوب الحداد والحجاب، احتلت في صمت زاوية من المقصورة، جعلت الدوق يصعب عليه رُؤيتها. بعد تصفح إحدى الصحف، يستأنف الحديث مع المدفعي الذي لا يتحدث كثيرا.

– وهذا أمر سيئ جدا. فعندما انضممتُ كوزير، قبِلتُ حقيبة وزارة ما وراء البحار، من خلال التعلُّم، كنت على قناعة بأنه يتعين علينا أن نطبق سياسة الحذر على الإدارة الخارجية، إذا أردنا إنقاذ الأمر.

– وأنتم، ألم تستطيعوا تنفيذ ذلك؟

– لم يكن هناك مجال من الوقت الكافي. ولجتُ الدولة بفضل مزاياي وخدماتي. وإلى جانب ذلك… هناك الكثير من الالتزامات! ولكن التمرد الطائش لن ينتصر. أبطالنا يدافعون عن ذلك كالأسود؛ انظر، كم كانت وفاة اللواء زوتانو رائعة… ضحية شجاعته في… زوتانو ورجل شجاع آخر، قبطان… القبطان… لا أعرف كم منهم ماتوا هناك بنفس قدر الشجاعة والوطنية مثل أشهر شهداء الحرب. زوتانو والآخر، ذلك القبطان، يستحقان أن يُصنَع لهما التماثيل؛ حروف ذهبية على شاهد قبر في مجلس الشيوخ…ولكن على أية حال، هذا أمر سيئ للغاية… ليس لنا إدارة… إذن، أنت ستنزل هنا لأخذ القطار المتوجه إلى سنتاندير؟ حسنًا؛ حظاً موفقاً، أمجاد كثيرة ورصاصات قليلة… وإذا كنت تريد شيئاً هنا… كما تعلم، يا ملازمي، خلال الصيف، جزيرة وايت، وكاوز، ورايد، وفنتنور، وأوزبورن…

أصبح الدوق والسيدة التي في حداد والتي ترتدي الحجاب بمفردهما في المقصورة. حاول الوزير السابق، بحذر نسبي، بدء محادثة.

كانت السيدة ترد بكلمات أحادية المقطع، وأحياناً بالإشارات.

أمام هذه اللامبالاة، شعر الشخص الذي من بيرغامينو بالملل. في إحدى المحطات، تنظر المرأة التي في حداد عبر النافذة بصبر نافذ. تصرُخُ فجأة:

  • هنا، هنا، أديلا.. فرناندو.. هنا…

 

يدخل زوجان، في حالة حداد أيضًا، إلى المقصورة: تعانقهما المرأة ذات الحداد، وتبكي على صدر المرأة الأخرى، تخنقها تنهداتها.

يواصل القطار رحلته. وداع، عناق مرة أخرى، بكاء..

أصبحت السيدة والدوق، بمفردهما مرة أخرى.

نفذ صبر البيرغاميني، فقرر الدخول في محادثة. يريد أن يعرف بأي ثمن أصل تلك الأحزان، وسبب ذلك الحداد…فيحصل منها على رد مختصر، بارد، جاف لساخر، عبر الدموع:

-أنا أرملة القبطان الآخر فرنانديز.

 

*ليوبالدو ألاس (بالإسبانية: Leopoldo Alas «Clarín»)‏ كاتب وروائي إسباني، وُلد في سمورة عام 1852، إلا أنه كان يشعر بانتمائه إلى أستورياس. درس القانون في أوفييدو وحصل على الدكتوراه في مدريد، حيث فقد إيمانه. ومنذ هذه المرحلة، وهو يعيش في حالة صراع روحاني دائم، وهو الأمر الذي شهدت عليه أعماله. في سن الثالثة والعشرين، بدأ في استخدام الاسم المستعار كلارين في كتاباته. ثم أصبح أستاذًا في جامعة أوفييدو عام 1883، ودافع عن أفكار الجمهورية، ولكن سرعان ما انغمس في السياسة. استعاد إيمانه عام 1892 عقب أزمة وعي المت به، إلا أنه لم يصل إلى قمة الإيمان بالعقيدة الكاثوليكية.

 مترجم مغربي من المغرب مقيم في إسبانيا،

المصدر:

https://ciudadseva.com/texto/en-el-tren/

 

 

 

 

 

 

عن madarate

شاهد أيضاً

كَالسِّيزِيفِ الْمَلْعونِ – عبدالله فراجي

كَالسِّيزِيفِ الْمَلْعونِ عبدالله فراجي   مِنْ دَاخِلِ قَلْبِي تُبْرِقُ سَيِّدَتِي، لِلأحْصِنَةِ المْتُعَجِّلَةِ وتُعَرْبِدُ فِي عَيْنَيَّ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *