في خضم رحلة الحياة المتلاطمة، تبرز أحياناً مؤسسات تترك بصمة لا تُمحى في مسيرة الإنسان. وتقف دار الشباب بوشنتوف شامخة كإحدى هذه المنارات التي غيرت مسار حياة الكثيرين، وأنقذتهم من متاهات الضياع، لتضعهم على طريق النجاح والإبداع.
لم تكن دار الشباب بوشنتوف مجرد مبنى يجمع الشباب تحت سقفه، بل كانت بمثابة مدرسة حياة متكاملة. فعندما كانت أقدام البعض تتعثر في دروب التسكع والصحبة السيئة، كانت دار الشباب بوشنتوف بمثابة اليد الحانية التي تنتشل وتوجه، والعقل المستنير الذي يرشد ويعلم ، وهذا ما كان لي معها ، إذ من خلالها تمكنت من الهروب من عالم اسود يستوطن حينا ، عالم كاد يجرني إلا داخله لولا ألطاف الله ودعم أستاذي في المراحل الابتدائية الأستاذ محمد اللواتي ، والذي سيبقى دعمه لي خالدا ما حييت ، فهو من فتح عيني على مؤسسة دار الشباب وهو من جعل عشقي لدار الشباب عشقا أزليا إلى حد الآن .
إن ما زرعته دار الشباب فيّ لم يكن زرعا ضعيفا أو سريع البوار ، كما أن أروقة دار الشباب بوشنتوف لم تكن ذكرياتي فيها عابرة في الزمن والوقع ، فهي جزء لا يتجزأ من تكويني الثقافي ووعي الفني والجمالي ، فهي من غرست فيّ بذور الإبداع والتميز الجمعوي ، فعلا وممارسة، لأقل أنها هي التي أنارت طريقي وكانت لي بوصلة مضيئة ، مشعة في رحلة حياتي .
وأقول :
إن دار الشباب بوشنتوف ، اعتبرها منهج متكامل ساهم في بناء شخصيتي إلى جانب مجموعة من اقرأني حينها ، منهج ذو أبعاد متعددة ، منها ما هو ثقافي وفني اجتماعي وتربوي ، ثقافي تمثل في الأنشطة الثقافية المتنوعة التي كنت احضرها واستفيد منها وأشارك فيها كذلك ، وفني من خلال الورشات والفعاليات الإبداعية وتربوي تشمل أنشطة لغرس قيم المواطنة والمبادئ السامية واجتماعي يعمل على تعزيز العلاقات الإنسانية الايجابية ومحبة العمل الجماعي التضامني .
لقد نجحت فعلا دار الشباب بوشنتوف في انقادي من الانحراف وعملت على توجيه طاقتي صوب الإبداع وبناء شخصيتي بشكل متوازن ، وعززت ثقتي بأنفسي ، واكتساب مهارات حياتية ذات قيمة فنية وإبداعية .
سأبقى مدينا كما اقر دائما لدار الشباب بوشنتوف العريقة والضاربة في تاريخ الفعل الجمعوي بكل أشكاله وأساليبه ، باعتبارها المؤسسة التي أنقدتني وانقدت معي جيلا لا بأس به من الضياع والانحراف ، وكانت البوابة الواسعة التي فتحت أمامي آفاقاً للنجاح والتميز ، فكل خطوة ثقافية وإبداعية في مساري هي ثمرة من ثمار غرسها الطيب ، فدار الشباب بوشنتوف نموذجاً يحتذى به في كيفية تحويل حياة الشباب من مسارات محفوفة بالمخاطر إلى دروب مشرقة بالنجاح والإبداع. وستظل ذكرياتها منارة تضيء الطريق للأجيال القادمة، وتذكرنا دائماً بأن التغيير الإيجابي ممكن عندما تتوفر البيئة المناسبة والتوجيه السليم.
شاهد أيضاً
العمل الجمعوي الثقافي بين التفكير والممارسة
تعتبر المسألة الثقافية جزءا من التفكير الجمعوي ولا يمكن فصلها عنه بأي حال من الأحوال …