شعرية بناء الانشطار في معمار جسد بوجوه متعددة
سعيد فرحاوي*
الانسان ذلك المجهول.؛ ذلك المركب المتعدد . كل الفلاسفة عبروا عبر مر العصور أنه حيوان يمثل جوهر كل القضايا والمتاعب. كلهم وضعوا إشكالية تثير الشك في كل السلوكات التي يكون موضوعها هو الإنسان. مقولة أعادتني إلى أرسطو الذي قال أن الإنسان حيوان ذكي؛ مر الزمن مهرولا ؛ قرون وقرون إلي أن جاء سارتر فأعاد النظر في نفس المقولة؛ غير عمقها عندما جعل من الإنسان حيوانا غبيا. طبعا التاريخ يؤكد بشروحات كثيرة أن هذا الكائن عكس الحيوان؛ هذا الاخير إذا جاع يفترس أما الإنسان كلما شبع ازدادت شهيته للافتراس. الفن بدوره لم يخرج من هذه السيناريوهات الذي عمقت وجع كل القيم التي تحرك وجدان هذا المخلوق العجيب.
هنا في هذه اللوحة؛ اضطررنا أن نستهل تحليلنا بهذه الصورة ذات البعد الفلسفي؛ حددت موطن الداء؛ عندما حملت الإنسانية مسؤولية كل الدمارات. الفن بدوره؛ و بكل أشكاله؛ ساهم من أجل نبش موطن الداء؛ الذي كان سببا فيما وصلنا اليه اليوم من حماقات؛ لا تعترف بالقيم؛ ولا تبث للقيمة الإنسانية بصلة؛ كرسالة من أجلها خلق؛ واليها ينتهي ويصب كل ما يفكر به وفيه؛ وما يقوم به من أعمال في كافة الحقول ؛ لأنها أساس وأصل الحقيقة . مجالات تكلم عنها الكثير؛ فبقيت أسيرة الورق؛ لتحترق باختراق الزمن ؛ وينتهي آجلها كلما حس الإنسان أن شهيته مازالت مفتوحة لافتراس أكثر. قد يتساءل البعض ما علاقة هذا الكلام بجوهر وعمق هذه اللوحة؛ التي اختار لها الفنان المبدع عبدالاله الشاهيدي مجموعة من الاليات لإخفاء المعنى والقذف بأثر بعض تجلياتها؛ من خلال استحضار عناصر واقعية وأخرى لا علاقة لها بأرض الواقع؟ هذا ما سنراه في هذه المتابعة او المصاحبة؛ قصد القبض على المعنى المشتت بأشكال كثيرة من التمفصلات.
عناصر المعنى في لوحة الوجه المشروخ؛ في الزمن الممسوخ.
ماهي عناصر الصورة وكيف ساهمت في بناء الدلالة ؟
في عمق اللوحة امرأة بوجهين متقاربين ومتداخلين ؛ كل واحد يتجه نحو الآخر؛ وجه حقيقي ؛ على مستوى الظاهر التقريري؛ يضعنا الفنان أمام صورة بوجه يمكن تقبله بكونه واقعيا؛ وهي دلالة قريبة من دلالات الفكرة السوريالية التي تعتمد الواقع فتخرج منه بأساليب جمالية مقبولة ومنطقية. على مستوى الواقع هو وجه نسائي؛ لكن في العمق أو المعنى التضميني هو غير واقعي؛ لأن المرأة لا تنتزع وجهها ماديا بقدر ما تخفيه وتخرجه؛ وأحيانا تتباهى به؛ في غالب الأحيان تظهر بعدة أقنعة؛ على أساس إخفاء الحقيقة وممارسة فكر الدهاء. امرأة جميلة بوجهين؛ وجه معقول والثاني مزيف؛ والمسافة بينهما هي الواقع بكل مراراته؛ لذلك خرج الفنان من الحياة المبنية على الهشاشة ليمتطي سفن الخيال؛ خروجا من الأرض؛ لنسيانها؛ وتركها؛ ثم التخلي عنها؛ وأخيرا خرقها أو قتلها بلغة الفن والجمال ؛ ذاك ما قام به الفنان المبدع عبدالاله الشاهيدي عندما وضعنا أمام وجه امرأة بقناعين متناقضين؛ قائما بحركة يدوية تزيد من تعميق الهوة؛ كما تقوي عمق الصورة؛ لتصبح دلالة الاختفاء وراء قناع مزيف يرتب له بحركات تعطي احقية التجاوب؛ و فق شروط معقولة تقوم بها امرأة لا تمثلنا ولا علاقة لها بنا مادام السراب الذي تخفيه ترسمه فوضى ألوان مثيرة للقلق والاضطراب ؛ لأن الوجهين يتمظهران في وجود جمالي حكمت عليه الألوان المضطربة أن يتحقق في شرط القلق وفوضى المجال المكهرب المقلق. الفنان هنا اختار الأسود المكفهر؛ المميز بفوضى يتوالد فيها الاستقرار النفسي ولا المادي؛ مما يجعلنا أمام لوحة ترسم الانشطار والبؤس والقلق الذي يخرج الحلم من الحسبان؛ فيبقى جنون التمثل بأقنعة متعددة مسارا لحياة غير مقبولة مطلقا. هنا امراة تخرج أسها من رأسها برأسها؛ منه تموضعنا في التيه والانشطار؛ وخارجه تخرجنا من ذواتنا لتجعل منا كائنا مزدوج الأقنعة والتصورات؛ وهو حوار حقيقي لعمق مزيف وخادع؛ يتكلم عن الغابر فينا غير الحقيقي والماكر؛ لهذا نتلقى دلالة النفي بالنفي ذاته؛ هو وجه متلاشي ومتعدد؛ يتجلى ويظهر باستحضار شكلا مشابها له؛ ليتكلم ويعري عن النقيض فينا؛ الذي غالبا لا تعرفه الا النفس الامارة بالشر والسوء. لوحة تنمو وتتحرك بدلالة يتحكم فيها شرط التمزق المختفي في وسامة الشكل المتناثر وفي نفس الوقت المتماسك والمثير؛ ترافقهما عينين مركزتين على القادم من الأمام؛ الى جانب الجسد وطبيعة تموضعه وتجليه نجد اللون الأحمر المعروف بالجنون والتشرد والحمق السرمدي؛ وهو غالبا ما يزيد من تعميق قيمة الفكرة وتوسيع معناها السلبي؛ لون غالبا ما يرمز الي الدم والغدر؛ كما لون الجمال والاثارة؛ أي لون يؤدي دورا مزدوجا؛ القبح والجمال في نفس الوقت؛ ثم لون الوجه المميز بطابع شبه بني؛ وهو لون المكر والخداع والبحث عن الرديء المفتقد. كلها عناصر أحاط بها نسيج الصورة؛ كنص دال؛ بألوان مختلطة؛ ذات أبعاد متفاوتة في الدلالات المعنوية والجمالية؛ . كلها إحالات طبيعية تسهم في توليد ملامح الصورة بأوتار متوترة ومتنافرة؛ ؛ كإشارات ترمز إلى اليأس الناتج عن تعدد الأصوات في الإنسان الواحد. فاللون الأسود المكفهر؛ والأحمر المتشظي على جسد منفتح نحو حلم كبير؛ الى جانب بعض الروتوشات الممتزجة هنا وهناك؛ كلها تشكل كلية متداخلة بصفات متعددة؛ لتمطيط المعنى وتوسيع مجرى تشتتها على أبعاد الصورة الابداعية ككل؛ وما استحضار الألوان البيضاء على شكل قطرات موزعة بشكل متفاوت ماهي إلا
شفرات أساسها أن لا نخفي الأمل ونبقي حاضرين بصفتنا الانسب والأقرب الى الحقيقة. كلها عوامل بنائية؛ تمازجت وتشتت؛ أحيانا بترتيب جميل واحيانا بتنافر دال؛ لتسهم جميعها بدرجات مختلفة في إنتاج لوحة سوريالية تتشكل وفق اليات قوية لبناء الدلالة في بعدها
باحث في الجماليات من المغرب