الرئيسية / الأعداد / محمد عنيبة الحمري.. حين تكون القصيدة رؤية كونية – نايف النوايسة

محمد عنيبة الحمري.. حين تكون القصيدة رؤية كونية – نايف النوايسة

محمد عنيبة الحمري.. حين تكون القصيدة رؤية كونية

نايف النوايسة*

 

وما أخطأك الموت يا صديقي وكنت تكتب على  ضفافه بمداد الحياة املاً واستدراجاً ليوم قادم بالدهشة ورعشة الوجود.

كان يومًا بهيجًا وأنا آخذ طريقي سنة ١٩٧٥ إلى إحدى مدارس البنات الكبرى في مراكش برفقة أحد الأصدقاء في الوفد للقاء مديرة المدرسة التي نالت حظًا كبيرًا من شهرة الشعراء الشاعرة مليكة العاصمي، عرفتْنا على شاب تواجد عندها، وقالت بأنه من شعراء المغرب المعروفين، هو الأستاذ محمد عنيبة الحمري، وفرحتُ لهذه المصادفة.

ان تلتقي شاعرين في مقابلة واحدة لهو من الطاف المقادير، ولم أر في هذه الجلسة إلاً البسمات والوجوه الباشة، وعلما مني لماذا قدمتُ إلى المغرب، فأكبروا لي وللوفد هذه المشاركة العربية الأخوية في المسيرة الخضراء، ثم قادنا الحديث إلى شجون من قضايا الثقافة العربية لغة وأدبًا وتاريخًا وشعرًا..

كان الشاعر محمد يكبرني بسنة واحدة، فتيقن لي بأننا متقاربان بالعمر وبمصادر الثقافة وهمومها وقضاياها؛ فالقرآن الكريم نظمنا بنظامه المحكم، وجمعتنا اللغة العربية الفصيحة على مائدتها العريقة، وتاريخنا العربي الواحد طوّف بنا من الأندلس إلى اليمن والعراق، والحديث عن همومنا ومواجهة الواقع وحوار الحضارات وتلاقيها وتدابرها، واستغرق الحديث منا زمنًا طويلاً.

ووقف الحمري على اهتماماتي الأدبية وامعاني بالكتابة المقالية في الصحف الأردنية المعروفة، واطلعت على تجربته الشعرية الأولى التي ابتدأها من ديوانه الأول( الحب مهزلة القرون) الصادر سنة 1968، وكان المتكأ المكين الذي انطلق منه إلى عالم الشعر، وعنوانه الاول الذي يجد المتلقي فيه بصمات التشكّل للشاعر.

من هذا الديوان سلك الحمري رحمه الله طريق السائرين في دروب الشعر الى أن توفي أواخر سنة ٢٠٢٤.

كان ذهن المرحوم متشابك مع تساؤل إشكالي هو: ما جدوى الكتابة، وهل من الضروري أن يكون الإنسان كاتباً في زمن طغت فيه المادة وتحوّل الإنسان إلى كائنٍ استهلاكي؟! وأعاد وردد على سطح هذا التساؤل، ومع تقليب التساؤل على كل وجوه استيقنا من أهمية الكتابة لتأثيث الحياة بالوجدان والمشاعر الإنسانية، وان المبدع لا يعيش منعزلًا عن واقعه، وثمة توافق على ان الرؤيا الكونية هي الاساس الذي ينطلق منه المبدع، وإذا كان هذا المبدع نتاج بيئة ثقافية معينة فإنه يتشرّبها فتُؤثر على مساره الثقافي، ومن هنا  كنت على رأي واحد بأن الواقع الثقافي لا بد من ان يؤثر بالمبدع إلى حد ما.

وأهداني المرحوم نسخة من ديوانه( الشوق للإبحار)، وعند ذاك دار بيننا حديث طويل عن الشعر في الوقت الذي كان يقلب فيه صفحات من هذا الديوان، وابتسم  حين توقف عند قصيدة( بلا هدف) وقرأ منها هذا المقطع:

فيا أسفى

إذا الأزهار قالت لي:

” بلا هدف”

تمد العطر والأشواق لا تدري

تجوب الليل في السر

بلا فجر

ودبت موجة الأحقاد

في صبح وفي ليل

وقالت: أنت للأيتام والشظف..

فيا ويلي

إذا قال المدى عني

” بلا هدف”

وقال الحمري: إن القصيدة جزء من حياة صاحبها، وهي مخاض له وإنشاء للكتابة، والشعر عذبٌ لقارئه ولكنه رحلة عذاب للشاعر لأنه يمر فيها بمرحلة ابداع وخلق ولا يقف عند شكلها حسب.

كان الألم باديًا على محيا  الشاعر وهو يردد( بلا هدف)، فقلت له: هوّن عليك أيها الشاعر وأنأ أشاطرك ما تقول  وإني لأرى القصيدة تسكنك. فقال بيقين: يا عزيزي لا خير في الشعر إن جاء من خارج المكابدة والمعاناة.. وأردت إخراجه مما اعتراه من ألم فقلت له: أرى القرآن الكريم حاضراً في عباراتك الشعرية، فقال لي على الفور: لقد حفظت القرآن في صباي وهو مرجعي وتراني أعرض عليه لغتي كلما اعتراها الضعف وأصابها الوهن.

وقال بيقين تام: أخي نايف شعرنا المغربي هو جزء من الشعر العربي، ألا ترى ذلك؟

قلت له: وهل تراني في شك مما تقول، انت تأخذني بشعرك الى كل الآفاق العربية من شرقها إلى غربها، هذه هي الأصالة التي ننشدها.

وحين هممت بالمغادرة دعوته لزيارة الأردن. فقبل الدعوة وقال: عسى الله يجمعنا مرة ثانية في بلادكم وفي رحاب الأقصى..

رحم الله الشاعر الحمري واسكنه الفردوس الأعلى.

 

شاعر من الأردن

 

عن madarate

شاهد أيضاً

مكناس تحتفي بتجربة الشاعر والقاص عبد الله فراجي في “اللقاء الشعري الخامس”

مكناس تحتفي بتجربة الشاعر والقاص عبد الله فراجي في “اللقاء الشعري الخامس”   شهد المقهى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *