مولاي الحسن الإدريسي: رسالةُ سلامٍ مسرحيةٌ – كريم بلاد
أصِفُ المخرج المغربي مولاي الحسن الإدريسي بأنه متقدم بالنظر إلى معطيين اثنين:
الأول: كونه جايل العديد من المخرجين المسرحيين المغاربة، وفاقهم طُرًّا، إصرارا على العمل المسرحي وإخلاصا له حتى في أصعب فترات حياته الشخصية؛
الثاني: قدرته على التعاطي مع الفن المسرحي بروح الطفل المشاكس التي تهفو دوما إلى البحث عن المتعة الحقيقية المقتنصة في أي لحظة من لحظات الحياة اليومية.
عرفت “مولاي”، وهذا هو لقبه بين أصدقائه ومحبيه وأقاربه، منذ العام 1998، عندما كنت في سن الواحدة والعشرين طالبا، وكنت شغوفا بالأدب والفن والمسرح والشعر، ولاحقت الصالونات الأدبية والأمسيات الفنية، والمهرجانات داخل مدينة تارودانت حصرا، ولا أغادرها إلا لماما، وأذكر أنني انخرطت طوعا في “جمعية الشعاع للمسرح” التي كان يرأسها المخرج مولاي الحسن الإدريسي، وسعيت إلى نيل عضوية جمعية أدبية رائدة حينذاك بتارودانت، وهي “نادي الغد الأدبي” الذي تحول فيما بعد وأصبح يدعى “منتدى الأدب لمبدعي الجنوب”، الذي بصم الثقافة بالمدينة بصمة دامغة. بهذا الشغف بحثت عن المسرح، وكنت حينها “شاعرا” مبتدئا، استقبلني “مولاي” بالقاعة السفلى من دار الشباب بأقنيس، حيث كانت فرقة الشعاع للمسرح تتدرب على مسرحية “الكراسيز” المقتبسة من مسرحية الكراسي ليوجين يونسكو[1]، وقدمني للفرقة الصديق مبارك لشكر الذي كانت تربطني به صداقة دراسة وثقافة. وأذكر أن “مولاي” نوه بكلماتي الشعرية التي ألقيتها عليهم في تلك الجلسة، ومن هناك صرت ملازما لهم في حلهم بتارودانت وترحالهم عنها إلى مدن مغربية أخرى لتقديم العمل المسرحي في جولة من الجولات.
كنت منبهرا بقدرة هذا الرجل على العمل الدؤوب، وعلى المواظبة، وعلى الحرص على إتقان العمل المسرحي إتقانا تاما، فقد كان بفضل اطلاعه الواسع على الكتابات المسرحية نصا ونقدا، وعلى مواكبة التجارب الإخراجية المغربية والعربية عرضا وفرجة، قادرا على الالتفات إلى كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالعرض، وعناصره المختلفة، حركة الممثل، نص الحوار، الإضاءة، الملابس، المؤثرات الصوتية التي كانت تعتمد بالأساس على صوتين من الجمعية، يتعلق الأمر بالفنانة فاطمة كبية وحسن ليلول، بالإضافة إلى مختلف المكونات التي تنسجم بين يديه كالعجين، ويتشرب بعضها بعضا في سمفونية لا يكررها. وما زاد في إتقان عمله، وجود أساتذة فنانين موهبين بالفطرة، فنجد إلى جانبه كلا من أحمد ولد مو، وعبد الرحمن خالص، ومحمد التوبالي، وإبراهيم سامح رحمه الله، وعبد اللطيف مرزاق، ومولاي ادريس كرم، وغيرهم من الأسماء اللامعة، الأسماء المخلصة للعمل المسرحي محليا ودوليا.
استطاع “مولاي” على فترة تمتد لأكثر من أربعين عاما، أن يخرج ويقتبس، ويستنبت عشرات الأعمال المسرحية، شهدت منها في بداية تجربتي مع فرقة الشعاع للمسرح أكثر من خمسة أعمال مسرحية، هي: الكراسيز، والكلادفا، وموليير القباني، وملحمة السراب، وتويشية المهرج، وغيرها من الأعمال التي حازت جوائز بتونس والأردن ومصر والجزائر ومونبوليي بفرنسا وغيرها كثير جدا.
وإلى اليوم، لم يتوانَ “مولاي” عن خدمة أبي الفنون، وعن تقديم الدعم لكل عاشق لهذا الفن.
وبالمقابل حظي الرجل ببعض التكريمات محليا ووطنيا، ولكنها لا تفي الرجل حقه، خاصة إذا وضعنا في اعتبارنا خطوة أقدم عليها في إطار “جمعية الشعاع للمسرح” بتارودانت، وهي مطالبة الجهات المختصة بتحويل سجن قديم بالمدينة إلى مسرح محلي بمواصفات دولية، تستطيع الفرق تقديم أعمالها الفنية فيه، لمسح صورة العقاب من الذاكرة الرودانية، وإحلال صورة السلام محلها، والمسرح وحده من يقدر على حمل رسالة السلام، ونشرها على رؤوس الأشهاد.
أكادير 20 أكتوبر 2024م.
ناقد وباحث في المسرح من المغرب
[1] تراجع المسرحية ضمن الأعمال الكاملة ليوجين يونسكو، صادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2006، بدءا من الصفحة رقم 114. الكراسي ملهاة مفجعة، ترجمة حمادة إبراهيم.